منظمة الصحة العالمية وصفت مرض الفشل الكلوي بأنه أكثر الأمراض المزمنة إهمالاً، خصوصًا أن الكلى معرضة لهجمات متكررة وعنيفة من أمراض مزمنة موجودة عند الكثير من المصريين، إذا تم تجاهل أمراض مثل: السكري، وارتفاع ضغط الدم، فإنها ستؤدي إلى تدمير الكلى ببطء شديد، دون أن يشعر المريض بذلك إلا في المرحلة الأخيرة والتي تسمى “الفشل الكلوي”. ولذلك يجب معرفة أعراض مرض الكلى الناتج عن مرض السكري (اعتلال الكلية السكري)؟ وكيفية الوقاية من حدوث مضاعفات مرض الكلى؟ لنتعرف على ذلك سويًا الآن!
بشكل عام، يحدث مرض اعتلال الكلى السكري (مرض الكلى)؛ بسبب سوء التحكم في مستوى السكر في الدم. عندما تقوم الكلى بتصفية الدم ذو التركيز العالي من السكر لفترة طويلة، يحدث تغير في هيكل الكلى (تضخم كبيبات الكلى وتليف الأنسجة وزيادة سمك الغشاء القاعدي الكبيبي)، مما يتسبب في عرقلة نظام تدفق الدم في الكلى وبالتالي يؤدي إلى تصلب الكبيبات.
بعض مرضى السكري قد يعانون من عدم كفاية إفراز الأنسولين، مما يؤثر على توازن هرمونات أخرى (هرمون النمو والهرمون المحفز للجلوكوز وهرمون ضبط ضغط الدم) ويؤثر ذلك على وظيفة الكلى. ومع ذلك، يمكن استعادة وظائف الكلى بالكشف المبكر والعلاج والتحكم الفوري في مستوى السكر في الدم.
الأعراض الشائعة وطرق التشخيص لمرض اعتلال الكلى السكري
يعتبر اعتلال الكلى السكري في مرحلته الأولى غالبًا خاليًا من الأعراض، مما يجعله صعبًا للمريض التعرف عليه بنفسه. وبالتالي، يُعتبر اكتشافه من خلال الفحوصات الشاملة أمرًا شائعًا للغاية. ويتم ذلك عن طريق فحص “نسبة البروتين إلى الكرياتينين في البول” و “معدل الترشيح الكبيبي (eGFR)”.
(1) فحص البروتين في البول
يتم قياس نسبة البروتين إلى الكرياتينين في البول الصباحي الأول:
إذا كانت قيمة فحص البول أقل من 30 ملغم/جرام، وقيمة فحص البروتين في البول بين 30 -300 ملغم/جرام فإن ذلك يُعتبر مرحلة قابلة للعلاج، ويمكن السيطرة عليها بالعلاج الفعال لتقليل كمية البروتين الصغيرة في البول ومنع تفاقم مرض الكلى.
إذا كانت قيمة فحص البروتين في البول أكبر من 300 ملغم/جرام، فذلك يعني وجود بروتين في البول بكمية كبيرة، مما يُظهر تدهور مرض الكلى إلى مرحلة لا يمكن علاجها، كما أنه يعتبر مؤشر خطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
(2) فحص معدل الترشيح الكبيبي (eGFR)
يتم تحديد معدل الترشيح الكبيبي في الكلى من خلال فحص الدم. إذا كانت قيمة eGFR أقل من 60، فإنه يُشخص بمرض الكلى.
حسب انخفاض معدل الترشيح الكبيبي، يمكن أن نحدد مراحل تطور مرض الكلى.
بالإضافة إلى الفحوصات، يمكن مراقبة ظهور فقاعات في البول اليومي لتحديد وجود البروتين. من المهم ملاحظة أن وجود فقاعات في البول لا يعني بالضرورة وجود بروتين في البول. وبالتالي، عند رؤية فقاعات في البول لا داعي للقلق، ولكن يُنصح بإجراء فحوصات دورية (نصف سنوية أو سنوية) للدم والبول، للوقاية المبكرة من تطور مرض الكلى
العوامل المسببة لمرض اعتلال الكلى السكري
يحدث اعتلال الكلى السكري، عادةً، نتيجةً لتأثير مجموعة متعددة من العوامل الخطرة، التي يمكن تصنيفها إلى فئتين: العوامل التي يمكن الوقاية منها أو علاجها، والعوامل التي لا يمكن الوقاية منها أو علاجها.
العوامل الخطرة غير القابلة للوقاية أو العلاج
- مدة المرض: كلما طالت مدة الإصابة بمرض السكري، زادت احتمالية حدوث تلف في الكلى.
- عمر الشخص عند إصابته بمرض السكري: كلما كانت الإصابة بمرض السكري في سن مبكرة (وبالتالي فإن مدة المرض أطول)، زادت احتمالية حدوث تلف في الكلى.
- وجود تاريخ عائلي لارتفاع ضغط الدم: يُعتبر ارتفاع ضغط الدم عاملاً خطراً يؤدي إلى تلف الكلى، لذلك يزيد احتمالية تعرض الأشخاص ذوي تاريخ عائلي لارتفاع ضغط الدم للإصابة بتلف الكلى.
- وجود تاريخ عائلي لمرض اعتلال الكلى السكري: إذا كان هناك أفراد في العائلة يعانون من مرض اعتلال الكلى السكري، فإن هناك فرصة أكبر للإصابة بمضاعفات الكلى؛ بسبب السكري بالمقارنة مع الأشخاص المصابين بالسكري دون وجود تاريخ عائلي لهذا المرض.
العوامل الخطرة القابلة للوقاية أو العلاج
- ارتفاع مستوى السكر في الدم: عندما يرتفع مستوى السكر في الدم، تحدث تغيرات في هيكل الكلى؛ مما يؤدي إلى ضعف أو قصور في وظائف الكلى.
- ارتفاع ضغط الدم: يؤدي ارتفاع ضغط الدم إلى تدهور وظائف الكلى، وعلى الجانب الآخر يمكن أن يؤدي قصور وظائف الكلى إلى ارتفاع ضغط الدم، وهما يتأثران ببعضهما البعض.
- ارتفاع مستوى الدهون في الدم: يسبب ارتفاع مستوى الدهون في الدم إلى تغيير أنسجة جدران الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى تصلب الشرايين وتغير هيكل الكلى.
- استهلاك كمية كبيرة من البروتينات: عند تناول كمية كبيرة من البروتين يزداد عبء الكلى، ويؤدي بالتدريج إلى تلفها.
- السمنة: تزيد السمنة من مقاومة الأوعية الدموية في الكلى، وعندما يقل تدفق الدم ومعدل الترشيح الكبيبي في الكلى، يتم تنشيط الأنجيوتنسين، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، ويزيد من احتباس الكلى للماء والصوديوم، ويزيد الضغط الداخلي للكلى والبروتين في البول (البول الزلالي).
- التدخين: المواد الكيميائية في التبغ تتسبب في تلف الكلى وتزيد من ضغط الدم وتسريع تدهور الكلى.
مراحل تطور مرض اعتلال الكلى السكري
حسب نوع مرض السكري، ستكون هناك مراحل مختلفة لتطور اعتلال الكلى السكري.
اعتلال الكلى السكري لمرض السكري من النوع الأول
اعتلال الكلى السكري لمرض السكري من النوع الأول يمكن تقسيمه إلى خمس مراحل، حيث لا تظهر أعراض واضحة في المراحل الثلاث الأولى. ولكن عند الوصول إلى المرحلة الرابعة، قد يحدث ما يعرف بمتلازمة أمراض الكلى (المتلازمة الكلوية) حيث يتم إفراز كمية كبيرة من البروتين في البول، ويصاحب ذلك ارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستوى الدهون في الدم وتورم الأنسجة المحيطة والقلب وفشل الرئتين. وفي هذه المرحلة، يحتاج المريض للإحالة إلى أخصائي أمراض الكلى للعلاج المستمر وتقديم التوعية اللازمة.
عند الوصول إلى المرحلة الخامسة، يكون الشخص في مرحلة الفشل الكلوي المتقدم حيث تكاد تفقد الكلى وظيفتها بالكامل، وتتأثر قدرتها على استقلاب الأنسولين وتصنيع الجلوكوز. في هذا الوقت ينخفض مستوى السكر في الدم، ويمكن حدوث نقص السكر في الدم، وتظهر علامات تسمم الدم (فشل الكلى)، مثل فقر الدم والغثيان والقيء والتورم وفقدان الكتلة العظمية وارتفاع ضغط الدم والإصابة بالعدوى. وفي حالات شديدة، يمكن أن تفشل أعضاء الجسم بأكملها، وتصبح الزراعة الكلوية أو الغسيل الكلوي (الديلزة) ضروريين لاستمرار الحياة.
اعتلال الكلى السكري لمرض السكري من النوع الثاني
- تختلف مراحل اعتلال الكلى السكري لمرض السكري من النوع الثاني عن اعتلال الكلى السكري لمرض السكري من النوع الأول. فقد يحدث تدهور وظيفي للكلى بعد عدة سنوات من ارتفاع مستوى السكر في الدم قبل تشخيص مرض السكري. لذلك، يقوم الأطباء في العيادات بتقسيم هذا المرض إلى المراحل التالية بناءً على مستوى البروتين في البول:
- المرحلة الطبيعية لإفراز البروتين في البول (أقل من 30 ملغم/غرام)
- المرحلة المعتدلة لإفراز البروتين في البول (30 – 300 ملغم/غرام)
- المرحلة المتقدمة لإفراز البروتين في البول (أكثر من 300 ملغم/غرام)
- المرحلة النهائية لفشل الكلى
- إذا تم استخدام معدل الترشيح الكبيبي (eGFR بالميليلتر في الدقيقة على 1.73 متر مربع) كأساس للتقسيم، فإن المراحل ستكون مشابهة لتصنيف مرض الكلى المزمن بشكل عام:
- المرحلة الأولى: معدل الترشيح الكبيبي أكبر من أو يساوي 90
- المرحلة الثانية: معدل الترشيح الكبيبي 60 – 89، ويجب أن يكون هناك أيضًا ارتفاع في مستوى بروتين البول ليتم تشخيص اعتلال الكلى السكري لمرض السكري.
- المرحلة الثالثة: معدل الترشيح الكبيبي 30 – 59
- المرحلة الرابعة: معدل الترشيح الكبيبي 15 – 29، ومع تقدم المرحلة الرابعة، يمكن أن تظهر الأعراض بشكل واضح.
- المرحلة الخامسة: معدل الترشيح الكبيبي أقل من 15، وهي المرحلة النهائية لفشل الكلى، والتي يتطلب فيها القيام بجلسات الغسيل الكلوي.
أساليب الوقاية من اعتلال الكلى السكري لمرضى السكري
يتمثل الهدف الأساسي لمرضى السكري في السيطرة على مستوى السكر في الدم لتجنب حدوث المضاعفات؛ وإذا شخص المريض بمرض اعتلال الكلى السكري، فيجب أن يتبع نفس المبدأ ويعمل على تأجيل تدهور حالة الكلى من خلال ضبط العديد من العوامل مثل مستوى السكر في الدم وضغط الدم ونمط الحياة الغذائي.
- ضبط مستوى السكر في الدم: يجب أن يكون مستوى الهيموجلوبين السكري (HbA1c) أقل من 7%.
- ضبط ضغط الدم: يجب أن يكون ضغط الدم الانقباضي أقل من 140 ملم زئبق والانبساطي أقل من 80 ملم زئبق.
- ضبط مستوى الدهون في الدم: يجب أن يكون مستوى الدهون الضارة من الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL) أقل من 100 ومستوى الدهون الثلاثية (TG) أقل من 150.
- ضبط تناول البروتينات: يجب تناول البروتينات بمقدار مناسب وفقًا للحالة الصحية للجسم.
- ضبط الوزن: ينصح بتخفيف الوزن بنسبة 5% أو الحفاظ على مؤشر كتلة الجسم (BMI) أقل من 25.
- الإقلاع عن التدخين.
بالإضافة إلى تحسين العوامل المذكورة أعلاه، يجب تجنب العوامل التي يمكن أن تزيد من تدهور حالة الكلى وتشمل:
- التهابات الجهاز البولي: نظرًا لأن الأشخاص المصابين بالسكري قد يكون لديهم نظام مناعي ضعيف، مع احتواء البول على السكر، فإن احتمالية الإصابة بالتهابات الجهاز البولي تكون أعلى، مما قد يؤدي إلى تدهور حالة الكلى.
- تجنب تناول الأدوية الضارة بالكلى: وتشمل بعض الأدوية المسكنة (مثل: الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية NSAID، والأعشاب الطبية والأدوية غير معروفة المصدر، والمكملات الغذائية). من المستحسن التحدث إلى الطبيب قبل تناول أي من هذه الأدوية.
- وكذلك، إذا كان هناك حاجة لإجراء فحص يستخدم الصبغة المحتوية على اليود، يجب إبلاغ الطبيب مسبقًا بتاريخ الإصابة بمرض السكري، ويجب شرب كمية كافية من الماء قبل الفحص وبعده. وفي حالة حدوث أي أعراض غير مرغوب فيها، يجب التوجه فورًا للطاقم الطبي.
فتناول الوجبات بشكل منتظم واتباع الجدول الزمني لتناول الأدوية وممارسة التمارين الرياضة بانتظام، كلها أمور مهمة جدًا؛ وإذا كنت تعاني بالفعل من مضاعفات، فما زال بإمكانك اتباع نفس المبادئ، مع ضبط العادات الحياتية وتدخل الفريق الطبي، حتى يتسنى لك تحقيق الاستقرار في مستوى السكر في الدم وتجنب تفاقم الحالة.